-->
U3F1ZWV6ZTE0NDc4OTI4OTEyX0FjdGl2YXRpb24xNjQwMjYyOTAzMzk=
recent
جديد

مجزوءة المعرفة

 


تقديم عام لمجزوءة المعرفة:

لعل المقارنة الأولية بين الإنسان وأقوى الكائنات الحية وأذكاها، تسفر عن نتيجة واحدة وهي تفوق الإنسان من عدة نواحي، فرغم أن بنية الإنسان البيولوجية ضعيفة بالمقارنة مع الكائنات الأخرى (الإنسان يولد بجسد عار، ويحتاج إلى عشر سنوات ليستطيع يحمي نفسه، مقابل الحيوانات الأخرى التي تمتلك وسائل وقوى تحمي بها نفسها من بطش الطبيعة منذ الولادة)، إلا أن ذلك لم يمنع الإنسان من البقاء ومواجهة الطبيعة بل والتحكم فيها وتسخيرها لنفسه ولحاجاته...، من هنا نتساءل، إذا كانت البنية الجسدية لم تسعف الإنسان فما الذي جعله يستمر في الحفاظ على نفسه وجنسه وتحقيق إنجازات لا يذكر مثيلها عند الكائنات الأخرى؟ إننا نجيب باختصار:  إن الإنسان كائن عارف.


فبعدما تساءل الإنسان عن وضعه في العالم (هويته – قيمته – حريته – علاقته بالغير – علاقته بالتاريخ..)، وجد نفسه أمام أسئلة أخرى تتعلق بالمعرفة، معرفة العالم المحيط به من خلال السعي نحو فهم العلل والأسباب الثاوية /الخفية وراء وقوع ظواهره. الأمر الذي فرض عليه التجرد من ذاتيته والتعامل مع الموضوعات بشكل موضوعي ومحايد، وأيضا وجد نفسه ملزما باستخدام مناهج وطرق دقيقة تكفل له بلوغ حقائق يقينية، لكن الأمر سيزداد تعقيدا حينما سيجد هذا الإنسان أن العالم لا يضم فقط المواضيع أو الظواهر الطبيعية، وإنما هناك مواضيع ملتصقة به وبإنسانيته، موضوعات اجتماعية وتفسية...

وإذا كان حقل العلوم الحقة يعتمد أساسا في اشتغاله على آليات ووسائل وأقيسة تنتمي إلى المنطق والرياضيات والخيال، فإنه بالمقابل نجد أن حقل العلوم الإنسانية ونظرا لخصوصية الإنسان؛ يأبى /يمتنع عن الخضوع لما هو صارم وحاسم، لهذا فإن النقاش الإبستمولوجي لم يتوقف يوما بشأن المناهج الناجعة، والمقاربات السليمة التي قد توصلنا إلى حقيقة الظواهر الطبيعية والإنسانية معا. هذه الحقيقة التي أصبحت بدورها عبارة عن مجال إشكالي تتجاذبه مفارقات عدة .

   فكيف تتكون معرفتنا بالعالم ؟ وهل من الممكن الجزم بإطلاقية النظريات العلمية ، أم أنها فقط بمثابة تعليلات/تبريرات مؤقتة للعالم؟ وهل تخضع الظواهر الإنسانية لنفس ضوابط ومناهج العلوم الحــقة ؟ وما قيمة الحقيقة في ظل تغيرها المستمر؟ وهل الحقيقة واحدة أم متعددة؟. بعبارة أخرى يمكن أن نتساءل فنقول: إن السؤال الأول الذي يصادفنا هنا هو كيف عرف الإنسان الطبيعة، هل باعتماده ملكة العقل وبالتالي البعد الرياضي المجرد، أم أنه استفاد من التجارب التي صادفته في حياته، وبالتالي استطاع أن يتوصل إلى القوانين المتحكمة في الكون من خلال التجارب العلمية؟ ومن جهة أخرى يطرح علينا سؤال أكثر حدة من السؤال الأول وهو: لماذا يريد الإنسان أن يعرف؟ ولماذا يسعى إلى المعرفة؟ قد تبدو الإجابة عن هذا السؤال بسيطة، ونقول إن الإنسان يسعى إلى التحكم في قوانين الطبيعة واستكشافها لتحسين ظروف عيشه، بصيغة أفضل يبحث عن سعادة مادية، لكن الأمر أكبر من ذلك خصوصا عندما نتوقف عند نماذج لفلاسفة وعلماء لم يكن البعد المادي يثيرهم (موت سقراط، تعذيب ابكتيت، ترحيل وإحراق كتب ابن رشد، إحراق جيوردانو برونو...) إذ أننا نكتشف أنهم يسعون وراء المعرفة من أجل المعرفة، أي أنهم يسعون إلى الحقيقة، فما هي الحقيقة؟ وكيف نميزها عن غيرها؟  ...


الاسمبريد إلكترونيرسالة