1. على سبيل التقديم:
يمثل الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس ورائدا بارزا داخل الاتجاه النقدي لمدرسة فرانكفورت السوسيولوجية، ينتمي للجيل /الرعين الثاني، وينتقد في مؤلفاته النظرية النقدية كما قدمها الرواد الأوائل للمدرسة (أدونو وهوركهايمر وماركيوز خصوصا)، التي يعتقد أنه تخللها العديد من النواقص والعيوب، وهو الأمر الذي تصدى له هابرماس بالمراجعة والتصحيح والتقويم، وإلى تجاوز تلك المواقف بالاستعانة بعدة مفاهيمية ونظرية ومستندا على العقل والعقلانية، وفي خضم هذا السجال قدم نظريته السوسيولوجية الشهيرة "نظرية الفعل التواصلي" قصد مجاوزة النظرية السابقة (النظرية النقدية)، مستعينا فيها بالتراث النقدي لفلاسفة فرانكفورت، ومنتقدا من خلالها تصورات فلاسفة الحداثة وما بعدها الحداثة لمفهوم العقل و العقلانية.
تبني هابرماس نفس الأسس الفكرية التي تتأسس عليها مدرسة فرانكفورت بصفة عامة، وأهمها أن المعرفة هي نتاج المجتمع، وهذه الأخيرة عرضة في الكثير من الاحيان للتزييف والتعمية والتشييء، وأن التأمل النقدي هو الكفيل لتبين هذه المظاهر وتجاوزها، هكذا إذن وجد هابرماس نفسه مطالب بسد الثغرات التي وجدها في النظرية النقدية، وجعل من نفسه مدافعا عن العقل والعقلانية التي تعد أساس وركيزة مهمة في بنائه السوسيولوجي والفلسفي، وفي مقابل هذا كان مطالبا بمواجهة مشكلات الحداثة وما آل إليه العقل الحديث، ويعيب عليهم وعلى فلسفاتهم بالتقوقع واللا حوار[1]، بالرغم من أن جلهم كان يمثل منطلق هابرماس في بنائه للفلسفة التواصلية بشكل خاص، حيث لهذه الأخيرة جذور وخلفيات تعود لفلاسفة الحداثة؛ ويتعلق الأمر هنا على وجه التخصيص بكل من هيغل وهربرت ميد ودوركايم، الذين وإن انتقدهم إلا أنهم ساهموا جميعا في انتقال الدرس اللغوي إلى آفاق البعد التواصلي البينذاتي بعد أن كان حبيس القوالب الصارمة[2]، كما وجد نفسه كذلك في مواجهات مع كل التيارات والتصورات الفلسفية لفلاسفة ما بعد الحداثة للعقل ونزعاتها التفكيكية له، وكان عليه أن يتصدى للمطالبين بتقليص دور العقل والمنددين بسيطرته، مطالبا في الوقت ذاته بتقنينه لا تحجيمه، رافعا شعار {{ أن الحداثة مشروع لم يكتمل بعد}}.
كل هذه الإسهامات وغيرها - بالإضافة إلى أعمال الجيل الاول من المدرسة النقدية وماكس فيبر كما سيأتي ذكر ذلك - شكلت منطلقات فكرية لهابرماس في نظريته التواصلية التي جاءت بحلة جديدة تقوم على فكرة نقد الفكر الحداثي ككل، وتجاوزه نحو رؤية للعالم بمفاهيم ومرتكزات جديدة وفقا نموذجا هابرماسي، يقول بهذا الخصوص:{{ إن الذي أنهك هو نموذج فلسفة الوعي (...) ما يعني ضرورة الانتقال إلى نموذج البينذاتية حتى تختفي أعراض الإنهاك والتعب..}}[3]، ويرفض هابرماس براديغم الوعي /الشعور نظرا لما يعيب هذا النموذج من سلبيات تتركز أساسا في نظرتها للذات كأنا مجردة (الأنا الديكارتية محكوم عليها بالعزلة الأنطولوجية) والعقل، الأنا وحدي الديكارتية أو الذات الأخلاقية المثالية الكانطية، إنه يدعو إلى للتحرر من أنموذج فلسفة الوعي التي ترى العلاقة بين اللغة والفعل كعلاقة الذات والموضوع، وفهم العالم بهذه الطريقة يجعلنا أسيري لما يسميه هابرماس ب"العقل الأداتي"، ولهذا فالعقلانية موجودة في لغتنا ذاتها وهي فقط تستلزم نسقا اجتماعيا ديمقراطي يشمل الجميع ولا يستبعد أحد، وأن ما نسميه "عقلانية" هو لا يتعدى الاستعداد الذي تبرهن عليه ذوات قادرة على الكلام والعمل، وعلى اكتساب وتطبيق معرفة قابلة للخطأ[4]، إن هدف العقلانية الهابرماسية ليس الهيمنة والسيطرة الايديولوجية بل إنها تبتغي كغاية الوصول إلى التفاهم عبر التواصل، واللغة هي الوسيلة الوحيدة التي مخول لها أن تؤسس لهذه الغاية.
2. منظور هابرماس للغة في ارتباطها بالنشاط التواصلي؛
ولهذا فهو يستعيض عن هذه المفاهيم بمفاهيم أكثر جدة وغنى؛ إنه يستبدل الوجه التقليدي المنهك للذات ليترك مكانه لذات تفاعلية نشطة تنتمي إلى مجتمع الممارسة اللغوية (المجتمع التواصلي)، ذات مستقلة قادرة على المشاركة في العملية التواصلية؛ علما بأن هذا الاستقلال الذاتي ليس له أي معنى إلا من خلال الاعتراف بالآخر والتواصل معه، لذلك فالذات ملازمة للعلاقة مع الآخر من خلال الاندماجات الموجهة بواسطة اللغة[6]، وبناءا على هذا المعطى لم يعد من الممكن البحث عن الحقيقة في أي {{كوجيطو}} أو وعي ذاتي مجرد باعتباره مالك للحقيقة ومدبر لشؤونها، ويعتبر هابرماس أن الوعي الذاتي مقيد بحدود لا تتجاوز تقديم حقائق تخضع لحيز التجربة، وبأن أي إدعاء وثوقي دوغمائي مآله الدحض والتفنيد، لهذا {{ ...فحدود العالم هي حدود اللغة التي نتواصل بها عنه...}}[7]، من هنا فإن فلسفات الوعي تمثل فقط جانب واحدا من النشاط العقلي(الجانب التأملي)، وأن العقل هو إطار أشمل وأعم، لهذا قام بإدخال البعد التواصلي في مفهومه الجديد عن العقلانية، وهذا البعد هو الذي يحقق التفاعل بين الناس من خلال التواصل اللغوي الهادف إلى التفاهم المتبادل وفق قواعد أخلاقية تحكم العملية التواصلية حسب معايير متفق عليها.
إن الطرح الفكري الهابرماسي ينبني على تصور خاص عن اللغة؛ تصور يتماشي مع منطلقات المنعطف اللغوي وتصورات أعلامه ورواده، إنه ينظر للغة باعتبارها مأوى الوجود وخزان تجاربه(...) وأن العقلانية ماهيتها[8]، إن اللغة بهذا المنظور حوار بين عقول المتحدثين، تبتغي إقامة جسر التفاهم والاعتراف وبلوغ التوافق حول المواضيع المثارة للنقاش دون استعمال لأي شكل من أشكال العنف او الإكراه، واللغة هنا تشير إلى جملة قواعد تؤسس للاتصال والتواصل بين الناس، وليست مجرد أصوات تلقى شذرا مذرا، إضافة إلى كونها خزان المعارف والتجارب الإنسانية، بل إن كل فعل لغوي إنساني يندرج ضمن ألعاب لغوية تتبارى فيها قضايا السياسة والأخلاق...[9]، كما تجدر الإشارة بهذا الخصوص إلى أن اللغة التي تؤذي بها الكلمات والمصطلحات في الفلسفة التواصلية كما نظر لها هابرماس ليست معزولة عن السياق الزمكاني، فهي شبيهة بالكائن الإنساني تتمدد وتتغير تجري بانسيابية ماء النهر، ولهذا هي دائمة التبدل وفي كل ممارسة حوارية تأخذ أدوارا جديد ومعاني تداولية أخرى.
3. من العقلانية الأداتية صوب العقلانية لتواصلية؛
إن مهاجمة هابرماس لهذا النموذج تطمح إلى هدم الأسس التي ينبني عليها هذا العقل؛ فالقضاء على نزعته الوضعية تسمح باستبداله بنموذج أكثر فاعلية يتمثل في العقلانية التواصلية؛ إذ تعد هذه الأخيرة المخرج الحقيقي من هيمنة العقلانية الأداتية، بهذا المعنى أصبح على هابرماس واجب تخليص العقلانية من قيودها، وتحريرها مما خلفه أنموذج فلسفة الوعي وفلاسفة الحداثة والتنوير، في السياق ذاته تستحضرني القولة الآتية:{{ فكان من الواجب تحرير طاقة العقل داخل التواصل}} [11]، إن هذا الانتقاد والهجوم على العقلانية التي أنتجتها الأنوار وخلفتها الحداثة لا يعني بالمطلق الهدم الكلي لهذا العقل، بل إن محاولات هابرماس الجادة كانت تستهدف إعادة بناءه من جديد على أسس أقوى وأمتن من سابقاتها، فيعتبر أن العقل الذي استخدم كأداة لأغراض ايديولوجية بحتة غير أخلاقية هو وحده القادر على القيام بتصحيح لأخطائه وهفواته، كما بإمكانه تطهير نفسه من المظاهر اللاعقلانية[12]، وإن كانت الأنوار قد ادعت قدرتها على تحرير الإنسان من عبودية الخوف ومن الوصاية على العقل، ومن الأساطير والخرافات، فإنه في المقابل جعلت منه كأداة حاسمة في التعامل مع الأشياء والعلاقات والطبيعة والتاريخ، فإنها في نهاية المطاف استسلمت لأساطير من نوع جديد (هيمنة العقل الأداتي)[13]، فالعقل التقني أو الأداتي جعل من الإنسان عبدا للتقنية بعدما أوهمه بأن يكون سيدا لها، إنها تحول الإنسان إلى وسائل وأدوات حيث تعمل على قمع طاقاته الإبداعية والتحررية، فالعلموية (نسبة للعلم) والتقنية ما هي إلا أشكال من الوهمية وهي غير بريئة حيث أنها لا تخلو من الحسابات السياسية؛ فهي تعبير عن الإيديولوجية المكونة للحداثة التقنية[14]، فالمنهج العلمي بقدر ما فتح الباب أمام الإنسان لفهم وتفسير الطبيعة ومن ثم السيطرة عليها (نداء ديكارت) بقدر ما أمدد الإنسان بأدوات للسيطرة والهيمنة على أخيه الإنسان، ولعل أخطرها العقلانية التقنية /الأداتية.
إن هابرماس يسعى إلى إخراج العقل من حيز العقلانية الأداتية نحو رحابة وفضاء العقلانية التواصلية التي تتخذ من الفضاء العمومي حيزا رحبا لها، فإذا كان الأول كما تحدد عند هابرماس والجيل الأول من المدرسة النقدية قد استفرد بحياتنا الاجتماعية، ذو طبيعة سلطوية لا ينظر إلى الأشياء والأفراد إلا من خلال الضبط والتحكم والتقنين[15]، فإن العقل التواصلي على الخلاف من ذلك، حيث أنه لا يبتغي الهيمنة ، إنه عقل ينبذ كل أشكال الوصاية و الفردانية والتسلط الذي خلفه العقل الأداتي بطابعه الحسابي، كما أنه يتعالى عن العقل المتمركز حول الذات والعقل الشمولي المنغلق (الوثوقي) الذي يدعي أنه يتضمن كل شيء، الوصفي الذي يفتت ويجزئ الواقع، ليحول كل شيء إلى موضوع جزئي حتى العقل نفسه، لصالح التفاهم والتواصل والتفاعل الاجتماعي، وهو بذلك يعلن عن ميلاد نموذج جديد له القدرة على تجاوز العقل المرتكز على الذات لصالح " عقل تواصلي يتجاوز الذات الضيقة ليكون نسيجا من الذوات المتواصلة التي تتجاوز ذاتيتها"[16]، عقل يتخذ من التفاهم والاتفاق والتواصل والإجماع شعارا له، ويتجلى دوره الحاسم والأساسي في كونه منظما للنشاط التواصلي؛ فالتواصل من حيث هو نشاط فيه تبادل للآراء والأفكار بين الأفراد أو الكائنات الاجتماعية عن طريق الحوار ، فأساسه تحقيق وتحصيل الفهم في العالم الاجتماعي المعيش وتجنب سوء الفهم، كما أنه بديل للقسر والإكراه، وما دام أن النشاط التواصلي قائم على العقل التواصلي الذي يستهدف خلق التفاهم والتفاعل فهو يخضع ضرورة للمعايير الجاري بها العمل؛ والتي تحدد مختلف أنماط السلوك المتبادلة، على أساس أن تكون مفهومة ومعترف بها بالضرورة من طرف ذاتين فاعلتين على الأقل[17]، وبالتالي فمنطق النشاط التواصلي هو التفاعل بين ذاتين فاعلتين على أقل تقدير (التذاوتية) بواسطة اللغة الحوارية، مما يفضي إلى أن أساس فعل التواصل هو تعاقب الأفعال المكونة من طرف مختلف الفاعلين والشركاء التواصليين، وذلك من خلال المناقشة والسلوك الحواري.
إن سعي هابرماس الحثيث لإخراج العقل من غياهب الأداتية والحسابية إلى أنوارية التواصلية لا يتحقق إلا عن طريق تأطير العقل بمقاييس العقلنة التي ترتكز على الحجة والبرهان الأقوى والاعتراف المتبادل بين المشاركين في النشاط التواصلي، فالعقلانية هي ذلك الاستعداد الذي تبرهن عليه ذوات قادرة على الكلام وعلى العمل وعلى اكتساب وتطبيق معرفة قابلة للخطأ[18]، ومنا هنا نجد أن نظرية النشاط التواصلي عند هابرماس تقيم علاقة داخلية بين البراكسيس /العمل أو الممارسة وبين فعل العقلنة، "فهي تدرس المضمرات العقلانية التي تفترضها الممارسة التواصلية اليومية، وتساعد المضمون المعياري الملازم للنشاط الموجه نحو التفاهم بين الذوات للوصول إلى مفهوم العقلانية التواصلية"[19].
- أولها: علاقة الذات العارفة بعالم الأحداث والوقائع.
- ثانيها: علاقتها بعالم اجتماعي يتميز بالفاعلية وبالانخراط الشخصي في التفاعل مع الآخرين.
- ثالثها: علاقة من يعاني، بطبيعته الباطنية أو بذاتيته وذاتية الآخرين .
يحاول هابرماس إعادة تدشين وتأسيس العقلانية بعيدا عن كل تصور ميتافيزيقي لعقل خالص أو وعي مطلق باعتبار أن لا أحد يمتلك الحقيقة المطلقة أو معرفة جوهر الأشياء[21]، من هنا جاء نقده الشديد لفكرة الذات الديكارتية أو الكانطية المالكة للوعي والإرادة، ليعمل على تغييرها بفكرة التذاوت بما يقابلها من تفاعل "أنا" و "أنت"؛ والتي تثمر بواسطة الحوار والنقاش العقلاني، والتي تنتج حقائق متفق عليها؛ بحيث أن هذه المعادلة التفاعلية تنتج أسلوب التفاهم الذي يحدث عندما تصدر الأنا فعل الكلام، ويقوم الآخر بإصدار موقف إزاء هذا الفعل بالذات، فيحدث التذاوت بين الأنا والآخر أي التواصل والتداخل بينهما وتنشئة علاقة تذاوتية[22]، و كما حدد هابرماس شروط التواصل والمطالب الضرورية المفترضة للتجربة التواصلية من أجل فهم التعبيرات، وهي نفس المطالب الأربعة التي استلزمتها نظرية أفعال الكلام :{{ قابلية التعبير اللغوي للفهم، وحقيقة مضمونه أو صدق محتواه، ومصداقية ومقاصد المعبر عنه أو إخلاصها، والمشروعية المعيارية للقول أو التعبير، أي المطالبة بأن يكون صحيحا أو ملائما بالنظر إلى علاقته بمضمون قيمي أو معياري يقربه المتكلم أو السامع معا..}}[23]، وهذه هي الشروط اللازمة للحوار والمناقشة الحرة التي تضمن تحقيق تواصل شفاف وديمقراطي غير مشوه، فإذا ما توافرت هذه الشروط السالفة الذكر أمكن صياغة نظرية محكمة للفعل التواصلي.
إن حجر الأساس الذي تقوم عليها نظرية الفعل التواصلي عند هابرماس يتجلى في فاعلية اللغة، فاللغة نتاج جماعي تمكن الفرد من الاتصال والاحتكاك بالغير، وهي التي تحدد مكانة الفرد الإنساني في المجتمع، فحقيقة الإنسان تتشكل من حيث هو كائن لغوي، كما أنها تشكل عنصر الذات، وفي غيابها يغيب التواصل والتفاهم، إنها بنية تساعد على التعبير الفردي من خلال المدلولات العامة داخل علاقة حوارية، ومن هنا فاللغة ليست نسقا مغلقا على ذاته بقدر ما هي فاعلية ونشاط إنساني منفتح على الكونية،إنها فاعلية تواصلية وحوارية، وبمقتضى التواصل يخرج الوعي الذاتي من باطنه صوب الانفتاح على الآخر وفهمه والتحاور معه عبر وساطة اللغة، إن هذا التواصل لا يتحقق إلا بوجود ذاتين فاعلتين على الأقل كما أشرنا سابقا، قادرتان على الحوار شريطة كذلك سلامة اللغة والقدرة والكفاءة الواجب توفرها فيهما، وكذا الفهم إذ لا تواصل دون فهم متبادل أثناء العملية الحوارية، وكل عملية حوارية تواصلية لابد وأن تستلزم ركائز أساسية وهي:
- المرسل: الذي يصدر منه فعل
الكلام
- المستقبل: المستمع الذي يتلقى الكلام
- الرسالة: تمثل مضمون أو محتوى الكلام
- القناة: الوسيلة التي تنقل الكلام؛ اللغة.
1. إن لكل من هو قادر على الكلام والفعل الحق الكامل في النقاش.
2. إن لكل فرد الحق في إثارة أي إشكال أو إعتراض على أي تأكيد كيفما كان.
3. لا يحق منع أي كان من المتحاورين من النقاش، ولا استعمال أسلوب الإكراه معه.
خاتمة:
في الختام يتبين لنا أن هابرماس يريد تأسيس نظرية جديدة في التواصل، أساسها العقلانية، تتغيى الفهم والاعتراف كغاية، ولهذا فالتجربة التواصلية تأتي من العلاقة التفاعلية التي تربط بين شخصين أو أكثر داخل العالم المعيش، وفي إطار من التوافق اللغوي والتذاوتي المبني وفق قواعد وشروط أخلاقية، فهدف هابرماس يكمن في تأسيس نموذج إجرائي للأخلاق من خلال إعادة بنائها انطلاق من الكونية الكانطية (لكن ليس انطلاقا من أخلاق الواجب القطعي والمطلق) اعتمادا على المناقشة البرهانية، واستبدال الأخلاق الكانطية المثالية بأخلاق تواصلية، وهذا ما يجعل منها بمثابة انتقال جذري من نظرية الوعي إلى نظرية التواصل، من براديغم الذات والأنا وحدي إلى براديغم التذاوت، من محورية الفكر إلى مركزية اللغة.
[1] - بلقاسم خيرة، هابرماس وأخلاقيات التواصل "في ظل السيطرة التكنوعلمية"، مجلة تطوير، المجلد 5، العدد 2، ديسمبر – 2018م، ص
[2] - جان مارك فيري، فلسفة التواصل، تر وتقديم عمر مهيبل، منشورات الاختلاف، المركز الثقافي العربي، ط 1، لبنان، 2006م، ص14.
[3] - يورغن هابرماس، القول الفلسفي للحداثة، تر فاطمة الجيوشي، منشورات وزارة الثقافة، دمشق – سوريا، 1995م، ص 12.
[4] -عطيات أبو السعود، الحصاد الفلسفي للقرن العشرين، شركة الجلال للطباعة، د ط، 2002م، ص 99.
[5] -علي عبود المحمداوي، مدرسة فرانكفورت؛ جدل التحرر والتواصل والاعتراف، ابن النديم للنشر والتوزيع، دار الروافد الثقافية، ط 1، لبنان، 2012م، ص 227.
[6] - بلقاسم خيرة، هابرماس وأخلاقيات التواصل في ظل السيطرة التكنوعلمية، مرجع سابق، ص
[7] - حسن مصدق، يورغن هابرماس ومدرسة فرانكفورت النظرية النقدية التواصلية، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء – المغرب، ص 75.
[8] - المرجع السابق، ص16.
[9] - المرجع سابق، ص18.
[10] - أبو النور حمدي أبو النور حسن، يورغن هابرماس الأخلاق والتواصل، التنوير للطباعة والنشر والتوزيع، ط 1، بيروت – لبنان، 2012م، ص 133.
[11] -نفس المرجع السابق، ص 135.
[12] - بلقاسم خيرة، هابرماس وأخلاقيات التواصل، مرجع سابق، ص 57.
[13] -محمد نورالدين أفاية، الحداثة والتواصل في الفلسفة الندية المعاصرة، دار إفريقيا الشرق، ط 2، المغرب-الدار البيضاء، 1998م، ص30-31.
[14] - سالم يفوت، المناحي الجديدة للفكر المعاصر، دار الطليعة ، بيروت –لبنان، 1995م، ص 87.
[15] - حسن مصدق، يورغن هابرماس ومدرسة فرانكفورت، مرجع سابق، ص 11.
[16] - يورغن هابرماس، القول الفلسفي للحداثة، تر فاطمةالجيوشي، منشورات وزارة الثقافة، دمشق –سوريا، 1995م، ص452.
[17] - نور الدين أفاية، ص182.
[18] - بلقاسم خيرة، هابرماس وأخلاقيات التواصل، مرجع سابق، ص57-58.
[19] - نفس المرجع السابق، ص 58.
[20] - توم بوتومور، مدرسة فرانكفورت، تر سعد هجرس، دار أويا للطباعة والنشر والتوزيع، ط 2، 2004م، ص100.
[21] -حسن مصدق، يورغن هابرماس ومدرسة فرانكفورت، مرجع سابق، ص124.
[22] - محمد نور الدين أفاية، الحداثة والتواصل في الفلسفة النقدية المعاصرة، مرجع سابق، ص 210.
[23] - عطيات أبو السعود، الحصاد الفلسفي في القرن العشرين، مرجع سابق، ص 105.