المحور الثالث: الشخص بين الضرورة والحرية
يعالج هذا المحور موضوع حرية الشخص، وهو من المواضيع التي استقطبت اهتمام كل من الفلسفة والعلوم الإنسانية، وذلك لما تحتله الحرية من أهمية في حياة الإنسان كشخص، فالإنسان المحروم من الحرية، هو كائن محروم من الوجود كشخص، لذا تظل الحرية مطلبا جوهريا للإنسان، سواء كان فردا أو جماعة، لكن الواقع اليومي للشخص، يفاجئ بضرورات وإكراهات، تحول دون المرء وتحقيق ما يريده، ضرورات متعددة، منها ما هو بيولوجي واجتماعي وسياسي وقانوني..، مما يدفعه للتشكيك في هذه الحرية التي تطبع / تسم هويته كشخص، هل هو فعلا حر، أم أنه يعيش وهم الحرية،والإشكالية العامة التي تؤطر هذا المحور يمكن صياغتها على الشاكلة التالية:
هل الشخص كائن حر أم خاضع للحتميات والضرورة؟ وهل الحرية التي يعتقد الإنسان بأنه يمتلكها وهم أم حقيقة؟
تحليل نص سيغموند فرويد (1856-1939م):
اشكالية النص: ما الشخص؟ وهل ما يفعله من تصرفات، هي تصرفات حرة أم بالضرورة؟
أطروحة النص:
بحكم إنتماء هذا النص إلى مدرسة التحليل النفسي، فإنه سيفتح لنا نافذة على إشكالية الشخص بين الضرورة والحرية، ويروم فرويد تقديم فهم جديد للشخص يتجاوز كل المحاولات التفسيربة التي قدمت بصدده، هذا الفهم والتجاوز يتأسس على مفهوم إجرائي هو مفهوم اللاشعور.
تحديدات أساسية:
- الهو: إنه المنطقة الأصلية في النفس والتي تضم جملة من الغرائز والأهواء والدوافع التي تشكلت خارج إرادة الإنسان. أهم ما يميز الهو أنه يسعى إلى تحقيق اللذة والإشباع بدون قيد أو شرط، إنه لا يعير إهتماما للزمان أو المكان أو الأخلاق.
- الأنا: وهو منطقة الشعور المتشكلة من الأفعال الإرادية ومن بعض الرغبات التي أفصحت عن نفسها وتلائمت مع الواقع بشكل أو بآخر.
- الأنا الأعلى: وهو المجال الذي يعكس سلطة المجتمع والأعراف والقيم والدين والأخلاق...
لقد ذهب سيغموند فرويد إلى أن البناء النفسي للفرد هو نتيجة حتمية لخبراته الطفولية، التي تكون مصدرا لنشأة عقد نفسية نتيجة كبت رغبات الطفل خلال مسلسل النمو النفسي والجنسي،وهو ما يعني أن معظم السلوكات التي تصدر عن الفرد، تحكمها او تحركها دوافع لا شعورية، ويستحضر فرويد هنا البنية النفسية المكونة أساسا من ثلاثة أسياد: الأنا الأعلى والهو والعالم الخارجي ، وكيف أن الأنا يجد نفسه في وضع قلق بين أن يحقق رغبات الهو الغريزية وبين أن ينصاع لأوامر الأنا الأعلى الأخلاقية وبين مطالب العالم الخرجي
هكذا إذن وتأسيسا على ما شرح يبدو أن الأنا في خدمة ثلاثة سادة أشداء، وكل تقصير فيها (الخدمة) يؤذي إلى إلحاق أضرار وخيمة بالأنا/الشخص، وبالتالي كل هذا نفي لمقولة حرية الإنسان.
البنية الحجاجية للنص:
آلية التأكيد: إن الأنا مضطر أن يخدم ...
آلية التفسير: يفسر لنا الصراع المحتدم بين مكونات اللاشعور.
آلية الاستنتاج: استنتاج الوضع القلق للأنا، ومعاناته التي تتجلى في صعوبة التوفيق بين مطالب الهو ومطالب الأنا الأعلى...
تـــــــقـــــــيــــــيـــــــم النص:
- إن الملاحظة الإيجابية التي تسم هذا النص هو أنه يتماشى مع الطرح السوسيولوجي، هذا الأخير الذي يرى أن الشخص ليس إلا انعكاس للشخصية الأساسية للمجتمع، فالشخص هو خلاصة روحية للمجتمع الذي ينتمي إليه، حيث يمكن القول مع دوركهايم أنه كلما تكلم الشخص فالمجتمع هو الذي يتكلم، فإذن نستنتج أن الموقف السيكولوجي والسوسيولوجي يقدم فكرة أساسية مفادها أن البناء النفسي والبناء الاجتماعي وبنيات أخرى، هي التي تفعل وليس الشخص، وكل هذا نفي لحرية الشخص.
- أما الملاحظة السلبية لهذا النص فتتجلى فأن فرويد ينفي الحرية عن أفعال الإنسان؛ ونحن نعلم أن الحرية هي من السمات والمحددات الكبرى لإنسانية الإنسان، وفي حالة انتفاء أو غياب لهذا المحدد تنتفي إنسانية الإنسان، إن بعض الفلسفات لهذا تتهم فرويد بقتله للإنسان، ومشابهته بالحيوان لأنه لا يفعل إلا بشهوة وبقصد إشباع لذاته .
تحليل نص باروخ اسبينوزا ( 1632 – 1677 ):
إشــــــــــــــكــــــــــــــــــــــــــــــال النص: هل الفعل الإنساني نتاج لإرادة ووعي أم أنه هو نتاج لهوى وميل جسدي غريزي؟
أطروحة النص:
يؤكد باروح اسبينوزا في مؤلفه " الرسالة58 إلى شولار "، أنه من العبث أن يعتقد الناس بوجود الحرية، لأن شعورنا بالحرية ليس إلا وهما، ناشئا عن تخيلنا بأننا أحرار، وعن جهلنا بالأسباب الحقيقية التي تسيرنا كما تسير الرياح أمواج البحر، فالإنسان في نظر اسبينوزا كالحجر الساقط؛ يعتقد عن جهل أنه يسقط بحرية، وأنه سبب أفعاله. ومن ثم فالإنسان حسب اسبينوزا يخضع لقوانين الحتمية مثله مثل باقي الكائنات الطبيعية الأخرى ،و لا قدرة له على الخروج عن عللها و أسبابها ،وما يميزه فحسب هو قدرته على الوعي بهذه الحتمية .
فالفعل الإنساني حسب الفيلسوف الهولندي باروخ اسبينوزا ليس نتاج لإرادة حرة، وإنما هو نتاج هوى وميل جسدي غريزي طبيعي، إن الحرية حسب اسبينوزا مشروطة بالغريزة والميل.
البنية الحجاجية للنص:
آلية الشرط: ستكون الأحوال الانسانية... لو كان ...
آلية المثال: مثال الصبي الذي يرغب في الحليب – الشاب الحانق الذي يريد الانتقام – الجبان الذي يلوذ بالفرار...
آلية التفسير : تفسير وشرح لفكرة أننا أحرار بالغريزة وأننا نجهل أسباب هذه الحرية....
أسلوب الإستدراك: لكن، في حقيقة الأمر، .....
تحليل نص إيمانويل مونييه:
إشكال النص: ما الشخص؟ وهل هو حر أم خاضع للضرورة؟
أطروحة النص:
يدافع رائد الفلسفة الشخصانية إيمانويل مونييه عن فكرة أن الشخص حر في تصرفاته، وأنه يرفض اعتبار الشخص موضوعا كما أنه ليس حزمة من ميول سيكولوجية أو عوامل بيولوجية (كما عند فرويد) أو قواعد اجتماعية، بل إنه شخص personne أي موجود ذو نفس وجسد، وحاضر في العالم ومع الآخرين، وهو حر، لكن حريته مرتبطة بالوضع الاجتماعي الذي يعيش فيه، ويستدعي الأمر منه، بذل المجهود للتغلب على المعيقات الداخلية والخارجية التي تواجهه، فليست الحرية عند مونييه هي أن نفعل ما نريد، وإنما هي أن نصارع ظروفا معيقة ونتغلب عليها، إنها عملية تشخصن مستمرة؛ تخرج منها الذات من عزلتها وفرديتها، وتتجه نحو الشخص عبر الانفتاح على الآخرين والتواصل معهم وتبادل الاحترام، إنها ليست حرية مطلقة تماما، بل هي نسبية لأنها لا تتحقق إلا في مواجهة العوائق والحواجز، وعن طريق الاختيار بين عدة اختيارات والتضحية.