
تقديم عام:
لا يخفى على أحد أن البيداغوجيا تعني قيادة الطفل
وتوجيهه، لكن هذا المصطلح، عرف عدة تطورات، وعرفه مجموعة من الباحثين بصيغ
ومدلولات مختلفة، كل حسب الفكر الفلسفي والتربوي الذي ينتمي إليه، ويمكن أن نقول
بصفة عامة، أن البيداغوجيا من منظور المقاربة بالكفايات والنظرة السوسيوبنائية
للعملية التعليمية تهتم بالعلاقة التي تربط المدرس بالتلميذ، وبالعمليات والوسائل
التي يمكن أن يوظفها الأستاذ من أجل مساعدة المتعلم على التحكم في سيرورة تعلمه،
وتجنيده لمختلف الموارد(قدرات، معارف، حالات، تحفيزات...) من أجل تحديد المشكلة
المطروحة وحلها في وضعية تعليمية معينة، واكتساب الكفايات امستهدفة، ومن أجل تطوير
هذه العمليات للرقي بمستوى التلاميذ تطورت البيداغوجيا حتى صارت وفق مستويات
متعددة ومتطورة تهتم بواقع التلميذ في شتى مراحل تكوينه، وهذا التطور أدى مباشرة
إلى ظهور بيداغوجيات متنوعة تهدف للهدف ذاته، تطوير قدرات التلميذ لتحقيق الكفايات
اللازمة، مثل بيداغوجيا الأهداف، الكفايات، الفارقية، الخطأ، حل المشكلات،
التشاركية، الإدماج وغيرها.
وفي هذا الصدد وضمن نفس السياق، ظهرت بيداغوجيا المشروع
كطريقة في التدريس تهدف إلى إشراك التلميذ بشكل مباشر في الوضعيات المطروحة، من
خلال ابتكار مشروع معين، يسعى إلى تقوية كفاياته المعرفية والوجدانية والسلوكية
العملية، وبهذا تكون هذه البيداغوجيا مشروعا في تجويد ذات التلميذ من نواحي
متعددة، فالمشروع هو ورشة عمل جماعية تساهم في تقوية المكتسبات وتعزز مسؤولية
التلاميذ أمام مجتمعهم، ولتبيان تفاصيل هذه البيداغوجيا عملنا على التطرق لمختلف
الجوانب المؤطرة لهذه البيداغوجيا بدءا من المستويات العامة لها كبيداغوجيا تهم
جميع المواد الدراسية وصولا إلى مستوى ابداعي يأخذ خصائص ومميزات هذه الطريقة
لمحاولة قولبتها في مادة الفلسفة بشكل خاص في إطار المقاربة بالكفايات وضمن التوجه
العام للميثاق الوطني للتربية والتكوين، وتماشيا ايضا مع الكفايات النوعية الخاصة
بمادة الفلسفة والمستعرضة المشتركة بين جميع المواد الدراسية الأخرى كما نصت على
ذلك التوجهات الرسمية للمادية لسنة 2007م، فهما هي الخطوط العريضة لهذه الطريقة
بشكل عام، من حيث أسسها ومميزاتها ووظائفها وخصائصها واهدافها؟ وكيف يمكن
استخدامها في مادة كالفلسفة؟ وما هي النماذج الملائمة لهذه الطريقة في مادة
كالفلسفة؟
الفصل الأول: بيداغوجيا المشروع، التأسيس النظري العام
المحور الأول:التعريف ببداغوجيا المشروع
جاءت بيداغوجيا المشروع كحل بديل للخروج من تلك العملية
التعليمية–التعلمية التي تجعل من الأستاذ/المدرس المحور الأساسي والمهم فيها،
لتعيد الاعتبار للتلميذ بكونه عضو أساسي فيها، فالمشروع يعني ما نريد بلوغه بوسائل
مخصصة لذلك واستراتيجيات يتم تنفيذها سواء أكانت استراتيجيات ناجعة أم غير ناجعة،
والمشروع رؤية بعيدة أو قصيرة للمستقبل تتكون من عدة التقويم وهي: 1) تحليل
الحاجيات. 2) تحديد الهدف أو الأهداف . 3) اختيار الإستراتجيات والوسائل (التمويل
والآليات واللوجيستيك والكفايات المطلوبة...). 4) تحديد المهام والمسؤوليات. 5)
تحديد الشركاء. 6) التقويم.
فالمشروع هو ما نأمل أن نقوم به، أو تصور وضعية أو حالة
نتمنى بلوغها، وفي البيداغوجيا هو نوع من البيداغوجيات يسمح للتلميذ بإنجاز معارف
معينة في ظروف ومدة زمنية محدودة أو سنوية.
فالمشاريع تنقسم إلى عدة أنواع منها:
·
مشروع المؤسسة؛
·
مشاريع الأوراش الغنية؛
·
مشاريع الخرجات الدراسية؛
·
مشاريع الدعم التربوي وتهم التلاميذ الذين يجدون صعوبات
في دراساتهم؛
·
المشروع الرياضي التربوي؛
·
مشروع الإدماج الذي يهم تلاميذ ذوي الاحتياجات الخاصة؛
·
مشروع المساعدات الخاصة؛
·
مشروع الاستقبالات الخاصة الذي يهم الأطفال والمراهقين
الذين يعانون من مشاكل نفسية أو صحية؛
تجمع معظم التعاريف المقدمة لهذه البيداغوجيا بالقول على
أنها هي مقاربة تربوية تجعل التلميذ شريكا فاعلا في بناء معارفه عبر منطق تعاقدي،
وهي تعول على الدافعية التي يثيرها في نفوس التلاميذ نجاحهم في بلوغ انجاز فعلي ،
تعود الجذور النظرية لهاته البيداغوجية إلى المربي الأمريكي وليم كلباترك؛ وهي
" طريقة عملية تقوم على اقتراح مشروع لحل مشكلة أو لخدمة غرض، ويتعلم الطفل
خلال تجربته في أداء المشروع كثيرا من الخبرات، التي تنفعه في حياته الحاضرة
والمستقبلة، وتساعده في تحقيق مشروعات مستقبلية أخرى مستقبلية[1].
عرف العربي اسليماني بيداغوجيا المشروع تعريفا شاملا
حينما يقول: "إن بيداغوجيا المشروع عبارة عن طريقة تقوم على تقديم مشروعات
للتلاميذ في صيغة وضعيات تعليمية – تعلمية، تدور حول مشكلة اجتماعية أو اقتصادية
أو سياسية أو ثقافية واضحة، وبالتالي جعلهم يشعرون بميل حقيقي إلى دراسة هذه
المشكلة والبحث عن حلول مناسبة لها بحسب قدرات كل منهم، وينبغي أن يكون ذلك تحت
إشراف الأستاذ الذي يلعب دور الموجه أو المشرف أو الوسيط.[2]
كما يعرفها بويتني في كتابه enseigner l’education physique et sportive
كاللآتي: بيداغوجيا المشروع هي في الواقع تنظيم يشارك فيها كل الأشخاص المعنيون
بالمشروع (مدرس متعلم)، وهي بالتالي تحدث صراعات"[3].
المحور الثاني: الأسس النظرية لبيداغوجيا المشروع
تستمد بيداغوجيا المشروع أصولها النظرية من النظرية
والسوسيوبنائي؛ يشير المفهوم الحديث للتعلم إلى إشراك المتعلم علة أساس التواصل
معه ومساعدته على استيعاب المعارف عبر خلق وضعيات قلق ولا توازن يكون القصد منها
البحث عن حالات التوازن، بحيث تتيح البيداغوجيا الحديثة المجال لنشاط المتعلم
ودينامية حركاته ومبادرته واحترام حاجياته.
يعتبر جون ديوي (1859 – 1952) أول من تحدث عن بيداغوجيا
تجعل من المشروع سبيلا للتعلم، حيث اعتبر –التعلم عبارة عن فعل منظم لتحقيق هدف
معين – يقترح على المتعلمين انجاز عمل (مثل مجلة القسم) يوظفون فيه نشاطهم العقلي
.
وقد ساهمت أبحاث علم النفس الحديثة في دعم هذه
البيداغوجيا، حيث ترى أن العقل البشري مجزئ إلى قوالب؛ كل واحد منها مسؤول عن
عمليات ذهنية وذكاءات محددة قابلة للصقل والتكوين.(garduer يقسم الذكاءات إلى : الذكاء
اللغوي – الذكاء المنطقي الرياضي – الذكاء الموسيقي – الذكاء الجسمي الحركي –
الذكاء البصري الفضائي – الذكاء التفاعلي العلائقي – الذكاء الذاتي – الذكاء
الطبيعي – الذكاء الوجودي ).
ولربط النشاط العقلي بالنشاط العملي الإبداعي للمتعلم
فإن بيداغوجيا المشروع تتخذ من نظرية التفكير النقدي والإبداعي مرجعا أساسيا لها، وقد
تزامن سطوع هذه البيداغوجيا مع موجه انخراط المدرسة في تكنولوجيا الإعلام
والتواصل، مما أدى إلى الاعتقاد بأن تكنولوجيا الإعلام والتواصل كانت السبب في
بزوغ بيداغوجيا المشروع.
يعتمد العمل بالمشروع، إذن، على العمل الجماعي، وتقاسم
المهام، وتكامل الأدوار بين التلاميذ والمدرس من أجل اقتراح حلول للمشاكل التي
تعترضهم أثناء العملية التعليمية-التعلمية، مع اقتراح وتحديد أهداف واضحة ترسم معالم
مشروعهم وتيسر لهم عملية تقييمه.
ويعتبر التواصل الديمقراطي الأفقي الدعامة الأساسية
لتبني بيداغوجيا المشروع، لأن التفاوض حول مسألة احترام التلاميذ، يعد مراوغة
ضرورية لإشراك أكبر عدد منهم في طرائق المشروع أو حل المشكلات، وهذا لا يمكن أن
يتم إلا إذا كانت الإرادة المشتركة، وأصغى المدرس لاقتراحات وانتقادات التلاميذ،
وهيأ على ضوئها وضعيات التعلم.
يجب على المدرس الذي يريد تطبيق بيداغوجيا المشروع أن
يأخذ بعين الاعتبار امثلات المتعلمين ومعارفهم القبلية وما ينتظرونه من المدرسة
بصفة عامة، الشيء الذي يمكنه من إقامة مناخ علائقي ايجابي بينهم، مناخ مبني على
الاستقلال الذاتي والوعي بمسؤوليات التلاميذ واستعمال التقنيات البيداغزجية؛ ناهيك
عن شروط التعاقد الديداكتيكي وتفريق التعلمات واعتماد دينامية جماعية مبنية على
تنشيط مختلفة .
المحور الثالث: خصائص ومميزات بيداغوجيا المشروع
<><>
ويلاحظ أن هذا النوع من البيداغوجيات لا يعتمد على الحفظ
والاستظهار، فهاتين الوسيلتين ليستا محور التعلم ولا الهدف الرئيسي من التربية،
وإنما الهدف هو تحقيق المشروع واكتساب الخبرات التي يمر بها الفرد في قيامه بالعمل
وفي البحث عن الحلول.
وتتميز هذه الطريقة بأنعا تثير التلميذ، كما أن نجاح
المشروع يزيد من ثقة التلميذ بنفسه ويدفعه إلى المزيد من النجاح، وتساعد هذه
الطريقة "على تنمية روح الإبداع والابتكار والاعتماد على النفس، مما يساعد
على تكوين شخصية التلميذ، كما أنها تربط التدريس بالحياة ومشكلاتها"[4].
·
يكون المشروع نابعا من حاجات التلميذ وقابلا للتنفيذ؛
·
يحظى المشروع بقيمة تربوية فعلية؛
·
يرتكزالمشروع على الفعل، ينطلق منه وينتهي إليه؛
·
تزكي هده البيداغوجيا التشاور والتعاقد بين الأفراد ؛
·
تشجّع التلميذ على الابتكار والتجديد؛
·
يتحمل المتعلم مسؤولية إنجاز المهمة بنفسه وبالتالي
الاعتماد على
النفس في التعّلم ؛
·
شجّع التلميذ على بناء معارفه بنفسه وامتلاك مهارات واكتساب كفايات؛
·
تجعل التلميذ محور عمليّة التعلم ؛
المحور الرابع: أهداف ووظائف بيداغوجيا المشروع
يتمثل المشروع التربوي البيداغوجي حسب فليب بيرنو فيما يلي:- المشروع مقاولة جماعية تديرها مجموعة القسم (المدرس ينشط القسم لكنه لا يقرر نهائيا).
- يتوجه نحو إنتاج ملموس (في المعنى الواسع مثل إنتاج نص، عرض مسرحي أو غنائي، عرض، مجسم، خارطة، تجربة علمية، رقصة، أغنية، إبداع فني أويدوي، حفلة، بحث، ظاهرة، مباراة، سباق، لعبة...الخ).
- إدخال مجموعة من المهام تسمح بتوريط جميع التلاميذ وجعلهم يلعبون دورا نشيطا يتغير حسب وظيفة وسائلهم ومصالحهم.
- إحداث تعلمات للمعارف ومهارات تدبير مشروع (اتخاذ القرار، التخطيط، التنسيق...الخ).
- يسمح المشروع بتعلمات قابلة للتحديد كما توجد في البرنامج الدراسي لتخصص أو عدة تخصصات(الفرنسية – الموسيقى – التربية البدنية – الجغرافيا ...).
- ومن الجهة البيداغوجية التعلمية الصرفة يرى فليب بيرنو أن للمشروع وظائف متعددة منها:
يتسبب المشروع في تعبئة
المعارف والمهارات المكتسبة وبناء الكفايات.
- التعاطي مع الممارسات الاجتماعية التي تنمي المعارف والتعلمات المدرسية.
- اكتشاف معارف جديدة وعوالم جديدة في منظور تحسيسي أو تحفيزي.
- الوقوف أمام عوائق لا يمكن تجاوزها إلا بتعلمات جديدة قد تقع خارج المشروع
- إثارة تعلمات جديدة في إطار المشروع نفسه.
- يسمح المشروع بتحديد المكتسبات والنواقص في إطار منظور قديم التقويم الذاتي والتقويم –الحصيلة.
- تنمية التعاون والذكاء الجماعي.
- مساعدة كل تلميذ على أخذ الثقة في النفس وتعزيز الهوية الفردية والجماعية.
- تكوين التلميذ على تصور وقيادة المشروع.
تنمية الاستقلالية والقدرة على وضع اختيارات والتفاوض
بشأنها.[5]
المحور الخامس: أدوار المدرس في بيداغوجيا المشروع
إن تبني المدرس المجدد لطريقة المشروع تفرض عليه الإطلاع
بالأدوار التالية:
·
تدبير وضعية التعقيد والحيرة التي تواجه التلاميذ في
بداية المشروع؛
·
أخذ إهتمامات وحاجيات المتعلمين بعين الإعتبار؛
·
توفير الظروف المساعدة على ممارسة التفكير المبدع
والخلاق، ونعني بذلك العمل في مجموعات والتراجع عن وضعيات الإلقاء الأستاذي؛
·
التصرف باعتباره وسيطا لا باعتباره مالكا للمعرفة؛
·
الحرص على عدم تواري الخاصية الدينامية للمشروع، خلف خاصية
تقنية تنظيمية أو ذات نزوع سيكولوجي؛
·
التفاوض مع التلاميذ حول الأهداف والوسائل المعتمدة في
المشروع؛
·
إثارة أجواء التفكير المختلف والمؤتلف على السواء؛
·
قبول واعتبار الاختلافات؛
·
تقويم سيرورة العمل والخطوات المتبعة بالقدر الذي يتقدم
به المنتوج؛
·
فتح المدرسة على محيطها؛
·
تعليم التلاميذ الاستباق والتوقع والاختيار؛
·
منح التلميذ معطيات عن وضعه التكويني الخاص؛
·
الانتقال من وضعية التعليم إلى وضعيى التعلم؛
·
إعطاء منحى تجريبي للممارسات والوضعيات؛
·
قبول الفرق بين العمل المأمول المنتظر، والعمل الفعلي
المتواصل إليه.[6]
[1] التربية العلمية "وأسس
طرق التدريس"، ابراهين عصمت مطاوع – واصف عزيز واصف، دار النهضة للطباعة والنشر،
ص36.
[2] مؤشرات كفايات المدرس" من صياغات الكفايات
إلى وضعية المطابقة"، حمد الله اجبارة، منشورات علوم التربية، الطبعة الأولى2009م،
ص87.
[3] مؤشرات كفايات المدرس ، نفس
المرجع السابق ، ص 87.
[4] - التربية العملية "وأسس طرق
التدريس"، ابراهيم عصمت مطاوع – واصف عزيز واصف، ص 36.
[5] الكفايات في علوم التربية ،
الحسن اللحية، أفريقيا الشرق، الطبعة الأولى 2006، ص 87.
[6] الكافي في امتحانات الكفاءة
المهنية، امحمد إحمدي – محمد بوفوس، مكتبة التراث العربي، ص265.